مقالات

لا تلغي انتمائك بيدك!

بقلم الدكتور والمفكر الفلسطيني: عادل سمارة

ربما ليست مصادفة انطلاق حملتي الانتخابات في كل من الاحتلال الأول 1948 والاحتلال الثاني التكميلي 1967.

وإذا كان الاحتلال الأول قد ترك البعض على أمل الحصول على شيء من وطنه سواء من الكيان أو ما تسمى الأسرة الدولية التي حولتها الثورة المضادة إلى مطية لها، فإن حصول الاحتلال الثاني ومضي أكثر من خمسة عقود عليه كان لا بد أن يُجِّذر الوعي والموقف الشعبي الرافض لِ “ديمقراطية” تحت الاحتلال في كامل الوطن المحتل.

لا يجوز لنا تجاهل أو التقليل من الضخ الإيديولوجي سواء من الكيان أو من قيادات م.ت.ف ومثقفي الطابور السادس فلسطينيين وعربا في تمرير التطبيع مع الكيان الصهيوني. بل إن أخطر ما مر على فلسطين والأمة العربية هما الخاصرتين الرخوتين الثقا/سية- الثقافية والسياسية.

ولكن لا يجوز للمواطن العربي الفلسطيني نفسه أن يتجرَّع التطبيع، لأنه وحده الذي يدفع الثمن بالمعاني القومية والسياسية والاقتصادية والطبقية والثقافية حيث أن كافة هذه المستويات من حياة اي شعب قد جرى إهلاكها.

إن التناغم والتحالف بين شريحة التطبيع في المحتل 1948 منذ ذلك العام وحتى اليوم وتصوير دخول الكنيست كمكسب “وطني” وتلقُّف قيادات م.ت.ف لذلك والترويج له هو تحالف لتصفية القضية الفلسطينية كقضية شعب وجغرافيا معاً، ذلك لأن مشروع قيادة هذه المنظمة هو منذ 1968 الاستدوال وليس التحرير، بل الاستدوال حتى لو في ساحة كرة قدم.

هذا التحالف والتناغم هو الذي مرَّر على أهلنا في المحتل 1948 تخلي م.ت.ف عنهم، وتقديمهم وجبة للكيان الصهيوني أي جرى:
• تجريدهم من هويتهم وانتمائهم العربي الفلسطيني
• وتحويلهم إلى مسرح للأحزاب الصهونية اليهودية والعربية المتصهينة.

وإذا كنا ندرك، أو لدينا تفسيراً لتخلي م.ت.ف عنهم، ومعاملة الكيان لهم كأقلية دونية عرقياً ودون قومية وبلا انتماءً، فإننا لا نفهم قيام بعضاً من أهلنا في المحتل 1948 بابتلاع هذا التسميم العلني والتورط في حملة انتخابات لصالح المحتل.

وإذا كان يرى بعضنا أن عليه التقاط الحدث وتجذير موقفه بعد صدور “قانون القومية” لمجمَّع عسكري عدواني استيطاني لم يكن أمة ولن يكون، فإن “قانون القومية” ليس سوى وضع عنوان شكلي لجريمة كبرى كان يجب التقاطها باكراً.

أما وقد مضى على احتلال بقية الوطن كل هذه السنوات، فإن أية انتخابات في المحتل 1967 ليست سوى:
• تماهٍ مع مزاعم صهينة فلسطين بكاملها
• تعميق غوص بعض اهلنا في المحتل 1948 في مستنقع تبهيت الانتماء والهوية
• خدمة المشروع الصهيوني الذي لم يعلن اساساً انه يكتفي باغتصاب فلسطين
• تماهٍ مع السياسة الإمبريالية الأمريكية التي لا ترى في 450 مليون عربي سوى كومة غبار أو رماد على أفضل حال
• تزكية موجة التطبيع الرسمية العربية الثانية (الإمارات، البحرين، عُمان، المغرب) بعد تزكية وتمرير الموجة الأولى (مصر، م.ت.ف، الأردن )
• تحفيز كل نظام لم يعلن التطبيع أو لم يتورط فيها على القيام بذلك.

إن رفض الانتخابات في كل فلسطين هو المدخل الوحيد لتثبيت عروبة شعبنا وقضيتنا، وهو بداية الرد الحقيقي على عدوان صفقة القرن بما هي عدوان تصفية وطن وشعب، لا يمكن ولا معنى للرد عليه بانتخابات هنا أو هناك لأن الانتخابات ليست لا مشروع تحرير ولا مشروع اجتماعي اقتصادي تنموي ولا مشروع تقدمي لتحرر المرأة ولا مشروع للطبقات الشعبية.

إن المشاركة في الانتخابات في جزئي الوطن المحتل ليست كما اسموها “سلام الشجعان” بل سلام راس المال التابع مع راس المال المسيطر والغاصب.

وهكذا، فإن رفض الانتخابات في رام الله وحيفا هو وحده الذي يحافظ على الشخصية الوطنية الفلسطينية ويشكِّل بداية:
• إستعادة الشارع العربي للقضية المركزية
• بداية رفض فلسطيني شعبي ميداني للاحتلال والاستيطان والتطبيع
• بداية استعادة كرامة الأمة بأنها ترفض ما أوصلها إليه الحكام المحكومين.
• بداية تأكيد أن التمسك بالقضية المركزية هو الطريق للوصول إلى الدولة العربية المركزية التي وحدها تعيد للفلسطيني وطنه، ووحدهاالدولة التي تمنح كل شخص حقه في ما هو حقه تماماً وبوضوح، وحدها الدولة العربية الواحدة بمضمون عروبي واشتراكي.
• وحدها التي لا تخشى امتداد الزمن، بل تخشى امتداد إهلاك الوعي والموقف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى