مقالات

عيد التحرير وذكرى انتصار المقاومة، هزيمة الاحتلال ولماذا انتصر حزب الله

طارق أبو بسام

نحتفل اليوم، ومعنا جماهير امتنا العربية والإسلامية واحرار العالم، نحتفل بإحياء مناسبة عظيمة،  انتصار المقاومة والتحرير وهزيمة العدو وانسحابه مجبرا يجر ذيول الهزيمة والعار، من جنوب لبنان دون قيد او شرط، ودون مفاوضات وتحت ضربات المقاومة، والمقاتلين الابطال، رجال وابطال حزب الله ومن معهم.

ان احتفالنا اليوم بهذه المناسبة يكتسب اهمية خاصة، له طعم ومذاق مميز، كون هذه المناسبة تترافق اليوم مع انتصار كبير اخر، هو انتصار المقاومة الفلسطينية وصواريخها وانتفاضة الشعب الفلسطيني، على كامل الجغرافيا الفلسطينية، انتصار على العدو وإجباره على وقف إطلاق النار مسلما بشروط المقاومة.

هذا الانتصار الذي جاء ليكرس انتصار المقاومة اللبنانية في حربها ضد العدو وصمود المقاومة الفلسطينية في الحروب المتتالية التي شنت عليها في السنوات السابقة في اعوام 2008 ,2009 , 2014، وجاءت معركة الصواريخ لتتوجها بهذا الانتصار الكبير الغير مسبوق والذي وضعنا امام مرحلة جديدة  لن يكون ما بعدها كما ما قبلها، مرحلة تؤسس لعملية التحرير، ولا اقول ذلك مبالغا وانما هي الحقائق والمعادلات التي فرضتها، حيث استطاعت المقاومة الفلسطينية وضع القطار على السكة الصحيحة منطلقا نحو محطة التحرير التي لن يتوقف الا عندها (لن ادخل في هذا المقال حول تقييم المعركة الاخيرة وافرازاتها ونتائجها وماذا سيترتب بعدها والاستحقاقات المطلوبة من كافة قوى المقاومة وهذا ما قمت بتناوله في مقال اخر).

ان الانتصار الكبير الذي حققته المقاومة الفلسطينية والانتفاضة أكد للجميع ان خيار المقاومة هو الخيار الوحيد لهزيمة المحتل واسقاط مشروعه، وان القوة هي الأساس اما خيار المفاوضات فهو خيار عبثي، ما لم يكن مدعوما بالقوة وهذا ما أكدته تجربة السنوات الطويلة السابقة بعد التوقيع على اتفاقيات اوسلو الكارثية، التي لم تجلب لنا سوى المزيد من الخسائر.

نعم لقد انتصرت ارادة المقاومة والشعب في فلسطين وتعزز دور محور المقاومة وباتت عملية التحرير أقرب من اي وقت مضى واصبحت امكانية واقعية ولم تعد حلما او شعاراً.

وها نحن نحتفل بهذا العيد بعد مرور 21 عاما، والمقاومة أقوى وأكبر مما كانت عليه، ونحتفل بهذا العيد وقد حققت المقاومة العديد من الانتصارات. من انتصار تموز، الى الانتصار على داعش والتكفيريين، الى المساهمة الفاعلة في تحقيق انتصارات سوريا والعراق واليمن، الى جانب الدعم اللامحدود للمقاومة الفلسطينية

نعم نحتفل اليوم بذكري هذا النصر الاستراتيجي على العدو الصهيوني وإلحاق الهزيمة بجيشه الذي كان يُوصف بأنه لا يقهر، هذا الانتصار الذي دشن مرحلة جديدة في مقاومة العدو مرحلة عنوانها: نعم يمكن ان نهزم هذا العدو عن طريق المقاومة، خاصة بعد ان سادت في المنطقة ككل سياسة الاستسلام وتوقيع المعاهدات من كامب ديفيد الى وادي عربة مرورا باتفاقيات العار في اوسلو، واتفاقيات التطبيع المشؤومة مع الامارات والبحرين والسودان والمغرب التي جرت مؤخراً، هذه السياسة الانهزامية التي رأت استحالة هزيمة العدو…

نعم لقد انتقلنا مع يوم النصر والتحرير الى التأكيد ان هذا العدو يمكن ان يُهزم عندما تتوفر شروط هزيمته، وهذا ما حصل.

انتقلنا من مرحلة الهزيمة الى مرحلة الانتصار ومن مرحلة الرهان على قرارات الامم المتحدة ومجلس الامن والجامعة العربية الى الرهان على المقاومة ومكافحة الشعوب ونضالها الذي يستد الى القاعدة الذهبية التي تقول ما اخذ بالقوة لا يسترد بغيرها وتحقيق النصر ممكن وليس وهما.

كما نحتفل اليوم بالنصر العظيم الذي حققته المقاومة في مواجهة آلة الحرب الصهيونية المدمرة وإلحاق الهزيمة بها والانتصار عليها حيث قالت المقاومة كلمتها في الميدان

تستطيعون قتل الاطفال والنساء.. تستطيعون تدمير المدارس والمستشفيات وهدم البنايات.. تستطيعون قصف المصانع والمزارع والطرقات وتحطيم شبكات المياه والكهرباء.. تستطيعون فعل كل ذلك. لكنكم لن تستطيعوا تدمير وقتل ارادة الشعب وتطلعه للحرية والاستقلال وتحرير اراضيه.

ان الانتصارات التي حققتها المقاومة في لبنان بقيادة حزب الله وفي فلسطين بقيادة فصائل المقاومة لم تأتي صدفة وليست معزولة عن الاستعداد والتحضير منذ سنوات وجاءت مستندة الى دعم محور المقاومة خاصة إيران وسوريا التي وضعت كل امكاناتها بتصرف المقاومة الفلسطينية واللبنانية.

ما أجمل ان تستيقظ في صباح يوم مشرق وانت تشاهد رحيل قوات الاحتلال الصهيوني هربا تحت ضربات المقاومة. ما أجمل ان تستيقظ في الصباح وترى جحافل رجال المقاومة وهم يطاردون الجنود الصهاينة اللذين امتلأت قلوبهم رعبا وخوفا ولم تعد تحملهم ارجلهم.

ما اروع ان تنهض في الصباح وترى الارض تتحرر من الاحتلال وتسمع زغاريد النساء وتكبير المقاتلين

ما أجمل ان يرحل العدو عن الارض الطاهرة، التي دنسها، أن ينقلع دون قيد او شرط ودون مفاوضات.

وما اجمل ان تشاهد قوافل اللبنانيين الذين هُجروا من ديارهم وهم يعودون لمنازلهم بسرعة اذهلت العالم، وهم يرفعون رايات المقاومة… رايات النصر والتحرير… نعم انه يوم النصر التاريخي… ويوم عيد التحرير.

واي نصر اهم من هذا الانتصار واي عيد اهم من هذا العيد

ان الانتصار الذي حققته المقاومة لم يكن وليد الصدفة وانما كان نتيجة محكومة بمقدماتها، هذه المقدمات التي استندت إلى التحضير والتجهيز والاعداد ورسم الخطط وحشد كل الطاقات الشعبية والعسكرية وتعبئة الشعب لخوض هذه المعركة وعدم الاكتفاء بالبيانات والخطب الرنانة والانتقال من حيز القول الى حيز العمل.

ان جذور هذا الانتصار ليست معزولة عن الصمود الاسطوري للمقاومة الفلسطينية واللبنانية أثناء اجتياح عام 1982، وما قدمه المقاومون من تضحيات، وليست معزولة عن اسقاط اتفاق الخيانة والذل الذي وقعه بشير الجميل مع العدو الصهيوني وهو الذي جاء للحكم على ظهر الدبابة الصهيونية هذا الاتفاق الذي سقط تحت ضربات المقاومة.

كما ان جذور هذا الانتصار تمتد عميقا الى المرحلة التي تم فيها تأسيس جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية (جمول)، والتي شارك فيها الشيوعيون والقوميون السوريون والبعثيون والمرابطون والناصريون والإسلاميون وغيرهم مسيحيون واسلاميون، هذه الجبهة التي قدمت العديد من الشهداء والمعتقلين والاسري دفاعا عن الوطن والارض.

لقد شكلت هذه الفترة مرحلة هامة من حياة المقاومة للاحتلال وحاسمة في تاريخ الصراع العربي- الصهيوني، هذه التجربة التي يجب ان تُعطي حقها في التقييم، ولم تكن العديد من فصائل الثورة الفلسطينية بعيدة عنها بل كانت مشاركه بها.

(لسنا الان بصدد تقييم هذه التجربة، كيف بدأت وكيف انتهت ولماذا انتهت? هذا يحتاج لبحث طويل ليس موقعه في هذا البيان)

اما المرحلة الثانية فهي انطلاق المقاومة الإسلامية بقيادة حزب الله

مقاومة اختارت نهجا سياسيا واضحا يرفض التفاوض ويعتمد المقاومة طريقا للتحرير، في وقت كان الكثيرون فيه يسخرون من ذلك ويقولون باستحالة هزيمة العدو وما علينا الا اللجوء للأمم المتحدة ومجلس الامن والجامعة العربية…

الا ان المقاومة الباسلة  حددت خيارها ووضعت استراتيجيتها، ورسمت طريقها، وشكلت ادواتها، ونظمت امورها، واستطاعت بفضل كل ذلك ان تلحق هزيمة كبري بهذا العدو هي الأولى من نوعها منذ انشاء دولة الكيان، وحققت نصرا مؤزرا هو الاول من نوعه في تاريخ الصراع العربي الصهيوني حيث اضطرت قوات العدو الى الانسحاب من معظم الأراضي اللبنانية هربا… دون قيد او شرط كونها لم تعد قادرا على دفع تكاليف الاحتلال وهنا لابد من القول لو بقي الرهان على الامم المتحدة والجامعة العربية لوجدنا انفسنا اليوم امام انتشار عشرات المستوطنات في الاراضي اللبنانية كما هو الحال في الاراضي الفلسطينية المحتلة ووجدنا أنفسنا  امام سياسة وقرارات ضم الأراضي اللبنانية كما هو الحال في الضفة الغربية والجولان.

وهنا مفيد التأكيد دائماً ان المقاومة ستتسع في فلسطين والبلدان العربية، وسيأتي اليوم الذي يهرب فيه الجنود والمستوطنون الصهاينة

من الأراضي الفلسطينية المحتلة كما هربوا من لبنان، وستهزم دولة العدو وسوف تنتصر ارادة الشعب الفلسطيني، وتتحرر فلسطين كل فلسطين ونؤكد هنا ان الشعب الفلسطيني ليس اقل عطاءا ولا اقل قدرة من الشعوب التي انتصرت في الجزائر وفيتنام وجنوب أفريقيا ولبنان وغيرها.

لقد كتب الكثير عن المقاومة التي يقودها حزب الله وانتصاراتها، الا ان ما كتب عنها وعن دورها المحلي والإقليمي سيبقي اقل كثير مما لم يكتب بعد.

لقد حاول الكثير من العملاء والخونة المأجورين ان ينالوا من هذه المقاومة الشريفة من خلال التشويه الاعلامي في الصحافة وبعض الفضائيات التي ارتبطت سياساتها ومصالحها مع العدو وتناسوا ان هذه المقاومة هي التي صنعت الانتصارات في لبنان ولعبت دورا كبيرا في هزيمة داعش في سوريا والعراق وقدمت المساعدات للشعب اليمني التي عززت من صموده في مواجهة الحرب التي تستهدف اخضاعه وتناسوا ايضا انه لولا تضحيات هذه المقاومة وصمودها وثبات قيادتها والنموذج الكفاحي الذي قدمته ما كان ممكنا ان تتحرر الارض ولبقي هؤلاء تحت احذية الجنود الصهاينة مسلوبي الارادة لا يفعلون شيئا.

نعم…لقد رفعت هذه المقاومة راسنا عاليا

لتحية كل التحية لصانعي هذه الانتصارات

التحية كل التحية لمن حرر الارض في عيد تحريرها

التحية كل التحية لحزب الله المقاوم لمن حرر الارض ومن هزم داعش

التحية لكل عضو ومقاتل فيه

والتحية الخالصة تحية الحب والتقدير والامتنان للأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله الذي قدم نموذجا فريدا في القيادة والتضحية ووضوح الرؤيا لم يسبق له مثيل

تحية لهم جميعا وهم يدافعون عن الامة ويحررون الارض ويهزمون الارهاب ويدافعون عن الحق والعدالة

وفي الختام لابد ان نسجل ان هناك الكثير من الأسباب التي ادت لهذه الانتصارات:

 اولا وجود القيادة التاريخية المتميزة بوضوح الرؤيا والبرنامج وثبات الموقف وصلابته وتقديم النموذج الذي يحتذى به في كل المجالات

ثانياً… اعتماد الخيار الكفاحي في المواجهة خيار الكفاح المسلح والتمسك بالمبادئ عدم تقديم التنازلات

ثالثا…الرهان على الشعب ونضاله والتفافه حول المقاومة واستعداده للتضحية وعدم الرهان على قرارات الامم المتحدة والجامعة العربية

رابعا.. توفر الإرادة الصلبة والقناعة بحتمية الانتصار والثقة الكبيرة بالنفس

خامسا…توفر الحاضنة العربية والصديقة التي تؤمن الدعم والمساندة للحزب من قبل سوريا وإيران

وتعتبر هذه من اهم أسباب الانتصار الى جانب العوامل الأخرى

نأمل ان تشكل تجربة حزب الله وهذه العوامل والأسباب دروسا تستفيد منها القيادة الفلسطينية، كما سبق واستفاد الحزب والمقاومة اللبنانية من الجوانب الإيجابية في تجربة الثورة الفلسطينية

ختاما

ونحن نتوجه بالتحية لكل

المقاومين الابطال في كل مكان من وطننا العربي الكبير والذين صنعوا هذه الانتصارات بتضحياتهم ودمائهم

التحية للجمهورية الإسلامية في ايران ولسوريا هي تقدم السلاح والمال دعما للمقاومة في الوقت الذي ذهبت فيه العديد من الدول العربية للتطبيع مع العدو واقامة التحالفات معه

ان تجربة المقاومة في لبنان والمقاومة في فلسطين اكدت مجموعة من الحقائق والدروس لابد من الاستفادة منها في رسم استراتيجية المواجهة الجديدة

المجد للمقاتلين الابطال

النصر للمقاومة

الحرية لفلسطين كل فلسطين

عدونا منهزم ونحن المنتصرون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى